سورة غافر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)}
{رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ} وقرئ: {رجل} بسكون الجيم كما يقال: عضد، في عضد وكان قبطيا ابن عم لفرعون: آمن بموسى سراً وقيل: كان إسرائيلياً و{مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} صفة لرجل. وصلة ليكتم، أي: يكتم إيمانه من آل فرعون، واسمه سمعان أو حبيب وقيل خربيل أو حزبيل والظاهر أنه كان من آل فرعون فإنّ المؤمنين من بني إسرائيل لم يقلّوا ولم يعزُّوا. والدليل عليه قول فرعون: {أبناء الذين آمنوا معه} [غافر: 25]. وقول المؤمن: {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَاءنَا} [غافر: 29] دليل ظاهر على أنه يتنصَّح لقومه {أَن يَقُولَ} لأن يقول، وهذا إنكار منه عظيم وتبكيت شديد، كأنه قال: أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة، وما لكم علة قط في ارتكابها إلاّ كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله: {رَبّىَ الله} مع أنه لم يحضر لتصحيح قوله بينة واحدة، ولكن بينات عدّة من عند من نسب إليه الربوبية، وهو ربكم لا ربه وحده، وهو استدراج لهم إلى الاعتراف به، وليلين بذلك جماحهم ويكسر من سورتهم، ولك أن تقدر مضافاً محذوفاً، أي: وقت أن يقول. والمعنى: أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذالقول من غير روية ولا فكر في أمره. وقوله: {بالبينات} يريد: بالبينات العظيمة التي عهدتموها وشهدتموها، ثم أخذهم بالاحتجاج على طريقة التقسيم فقال: لا يخلو من أن يكون كاذباً أو صادقاً، {فإِن يَكُ كاذبا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} أي: يعود عليه كذبه ولا يتخطاه ضرره، {وَإِن يَكُ صادقا يُصِبْكُمْ بَعْضُ} ما يعدكم إن تعرّضتم له.
فإن قلت: لم قال: بعض {الذى يَعِدُكُمْ} وهو نبيّ صادق، لابد لما يعدهم أن يصيبهم كله لا بعضه قلت: لأنه احتاج في مقاولة خصوم موسى ومنا كريه إلى أن يلاوصهم ويداريهم، ويسلك معهم طريق الإنصاف في القول، ويأتيهم من وجهة المناصحة، فجاء بما علم أنه أقرب إلى تسليمهم لقوله، وأدخل في تصديقهم له وقبولهم منه، فقال: {وَإِن يَكُ صادقا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذى يَعِدُكُمْ} وهو كلام المنصف في مقاله غير المشتط فيه، ليسمعوا منه ولا يردّوا عليه، وذلك أنه حين فرضه صادقاً فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يعد، ولكنه أردفه {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذى يَعِدُكُمْ} ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام، فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه وافياً، فضلاً أن يتعصب له، أو يرمي بالحصا من ورائه، وتقديم الكاذب على الصادق أيضاً من هذا القبيل، وكذلك قوله: {إِنَّ الله يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}.
فإن قلت: فعن أبي عبيدة أنه فسر البعض بالكل، وأنشد بيت لبيد:
تَرَّاكُ امْكِنَةٍ إذَا لَمْ أَرْضَهَا *** أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضُ النُّفُوسِ حِمَامَهَا
قلت: إن صحت الرواية عنه، فقد حق فيه قول المازني في مسألة العلقي: كان أجفى من أن يفقه ما أقول له: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} يحتمل أنه إن كان مسرفاً كذاباً خذله الله وأهلكه ولم يستقم له أمر، فيتخلصون منه، وأنه لو كان مسرفاً كذاباً لما هداه الله للنبوّة، ولما عضده بالبينات. وقيل: ما تولى أبو بكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشدّ من ذلك: طاف صلى الله عليه وسلم بالبيت، فلقوه حين فرغ، فأخذوا بمجامع ردائه فقالوا له: أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا، فقال: أنا ذاك، فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فالتزمه من ورائه: وقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم، رافعاً صوته بذلك، وعيناه تسفحان، حتى أرسلوه.
وعن جعفر الصادق: إنّ مؤمن آل فرعون قال ذلك سراً، وأبو بكر قاله ظاهراً.


{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)}
{ظاهرين فِي الأرض} في أرض مصر عالين فيها على بني إسرائيل، يعني: أنّ لكم ملك مصر، وقد علوتم الناس، وقهرتموهم، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم، ولا تتعرضوا لبأس الله وعذابه، فإنه لا قبل لكم به إن جاءكم، ولا يمنعكم منه أحد. وقال: {يَنصُرُنَا} و{جاءنا} لأنه منهم في القرابة، وليعلمهم بأنّ الذي ينصحهم به هو مساهم لهم فيه {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أرى} أي: ما أشير عليكم برأي إلاّ بما أرى من قتله، يعني: لا أستصوب إلاّ قتله، وهذا الذي تقولونه غير صواب {وَمَا أَهْدِيكُمْ} بهذا الرأي {إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} يريد: سبيل الصواب والصلاح. أو ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب، ولا أدّخر منه شيئاً، ولا أسرّ عنكم خلاف ما أظهر يعني أنّ لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول، وقد كذب؛ فقد كان مستشعراً للخوف الشديد من جهة موسى، ولكنه كان يتجلد، ولولا استشعاره لم يستشر أحداً ولم يقف الأمر على الإشارة. وقرئ: {الرشاد} فعال من رشد بالكسر، كعلام. أو من رشد بالفتح كعباد، وقيل: هو من أرشد كجبار من أجبر، وليس بذلك؛ لأنّ فعالاً من أفعل لم يجيء إلاّ في عدّة أحرف، نحو: درّاك وسآرا وقصار وحبّار، ولا يصحّ القياس على القليل. ويجوز أن يكون نسبة إلى الرشد، كعوّاج وبتات، غير منظور فيه إلى فعل.


{وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)}
{مِّثْلَ يَوْمِ الاحزاب} مثل أيامهم، لأنه لما أضافه إلى الأحزاب وفسرهم بقوم نوح وعاد وثمود، ولم يلبس أنّ كلّ حزب منهم كان له يوم دمار، اقتصر على الواحد من الجمع؛ لأنّ المضاف إليه أغنى عن ذلك كقوله:
كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمُو تَعِفُّوا ***
وقال الزجاج: مثل يوم حزب حزب، ودأب هؤلاء: دؤبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي، وكون ذلك دائباً دائماً منهم لا يفترون عنه، ولا بدَّ من حذف مضاف، يريد: مثل جزاء دأبهم.
فإن قلت: بم انتصب مثل الثاني؟ قلت: بأنه عطف بيان لمثل الأوّل؛ لأنّ آخر ما تناوله الإضافة قوم نوح، ولو قلت أهلك الله الأحزاب: قوم نوح وعاد وثمود، لم يكن إلاّ عطف بيان لإضافة قوم إلى أعلام، فسرى ذلك الحكم إلى أوّل ما تناولته الإضافة {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعِبَادِ} يعني: أن تدميرهم كان عدلاً وقسطاً، لأنهم استوجبوه بأعمالهم، وهو أبلغ من قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] حيث جعل المنفى إرادة الظلم؛ لأنّ من كان عن أرادة الظلم بعيداً، كان عن الظلم أبعد. وحيث نكر الظلم، كأنه نفى أن يريد ظلماً ما لعباده. ويجوز أن يكون معناه كمعنى قوله تعالى: {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} [الزمر: 7] أي: لا يريد لهم أن يظلموا؛ يعني أنه دمّرهم لأنهم كانوا ظالمين.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9